فصل: كِتَابُ الْحَجِّ الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْحَجِّ الثَّانِي:

.(في محرم عبث بذكره فأنزل):

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا عَبَثَ بِذَكَرِهِ فَأَنْزَلَ يُفْسِدُ ذَلِكَ حَجَّهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ رَاكِبًا فَهَزَّتْهُ دَابَّتُهُ فَتَرَكَ ذَلِكَ اسْتِلْذَاذًا مِنْهُ لَهُ حَتَّى أَنْزَلَ، فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ، أَوْ تَذَكَّرَ فَأَدَامَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ تَلَذُّذًا مِنْهُ بِذَلِكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى أَنْزَلَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَفَعَلَتْ مَا تَفْعَلُ شِرَارُ النِّسَاءُ فِي إحْرَامِهَا مَنْ الْعَبَثِ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، أَتَرَاهَا قَدْ أَفْسَدَتْ حَجَّهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ هُوَ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا وَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ، وَإِنْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ الْمَاءَ وَلَمْ يُدِمْ ذَلِكَ فَجَاءَهُ مَاءٌ دَافِقٌ فَأَهْرَاقَهُ وَلَمْ يُتْبِعْ النَّظَرَ تَلَذُّذًا بِذَلِكَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ الدَّمُ.
قَالَ: وَإِنْ أَدَامَ النَّظَرَ وَاشْتَهَى بِقَلْبِهِ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا وَالْهَدْيُ وَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَبَّلَ أَوْ غَمَزَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ جَسَّ أَوْ تَلَذَّذَ بِشَيْءٍ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يُنْزِلْ وَلَمْ تَغِبْ الْحَشَفَةُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا فَعَلَيْهِ بِذَلِكَ الدَّمُ وَحَجُّهُ تَامٌّ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أُحْصِرَ بَعْدُ وَفِي بَعْضِ الْمَنَاهِلِ، هَلْ يَثْبُتُ حَرَامًا حَتَّى يَذْهَبَ يَوْمُ النَّحْرِ أَوْ يَيْأَسُ مِنْ أَنْ يَبْلُغَ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، أَمْ يَحِلُّ وَيَرْجِعُ؟
قَالَ: فَإِذَا أُحْصِرَ بَعْدُ وَغَالَبَ لَمْ يُعَجِّلْ بِرُجُوعٍ حَتَّى يَيْأَسَ، فَإِذَا يَئِسَ حَلَّ مَكَانَهُ وَرَجَعَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ وَحَلَقَ وَحَلَّ وَرَجَعَ إلَى بِلَادِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا قَوْلُهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حُصِرَ بَعْدُ وَنَحَرَ إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَحَلَقَ وَقَصَّرَ وَرَجَعَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورَةً، وَيَحِلُّ مَكَانَهُ حَيْثُ حُصِرَ حَيْثُمَا كَانَ مِنْ الْبِلَادِ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ هُنَاكَ وَيَحْلِقُ هُنَاكَ أَوْ يُقَصِّرُ وَيَرْجِعُ إلَى بِلَادِهِ، قُلْت: فَإِنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بِلَادِهِ؟
قَالَ: يَحْلِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ حُصِرَ فَيَئِسَ مَنْ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ بِفِتْنَةٍ نَزَلَتْ أَوْ لِعَدُوٍّ غَلَبَ عَلَى الْبِلَادِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّهَابِ إلَى مَكَّةَ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا يَرْجُو أَنْ يَنْكَشِفَ قَرِيبًا رَأَيْتُ أَنْ يَتَلَوَّمَ، فَإِنْ انْكَشَفَ ذَلِكَ وَإِلَّا صَنَعَ مَا يَصْنَعُ الْمَحْصُورُ وَرَجَعَ إلَى بِلَادِهِ.
قُلْت: كَيْفَ يَصْنَعُ الْأَقْرَعُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ إذَا أَرَادَ الْحِلَاقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ، قُلْت: فَإِنْ حَلَقَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ عِنْدَ الْحِلَاقِ بِالنُّورَةِ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَرَى ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ.
قُلْتُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَغْسِلَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ إذَا حَلَّ لَهُ الْحِلَاقُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ؟
قَالَ: لَا لَمْ يَكُنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ يَقُولُ هُوَ الشَّأْنُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ قَبْلَ الْحِلَاقِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْت ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ الْحَلَالِ أَنْ يَغْطِسَا فِي الْمَاءِ وَيُغَيِّبَا رُءُوسَهُمَا فِي الْمَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُمَا.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَرَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا إنْ فَعَلَا ذَلِكَ؟
قَالَ: كَانَ يَرَى عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا غَيَّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ أَنْ يُطْعِمَ شَيْئًا وَهُوَ رَأْيِي.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الصَّائِمِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ حَلْقَهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَه لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَهُ إلَّا أَنْ تُصِيبَهُ جَنَابَةٌ فَيَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَلَا يَغْسِلُهُ بِالْحَوْضِ خَشْيَةَ أَنْ يَقْتُلَ الدَّوَابَّ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَقْتُلَ الدَّوَابَّ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَحْلِقُ الْمُحْرِمُ رَأْسَ الْحَلَالِ، قُلْت: فَإِنْ فَعَلَ هَلْ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَفْتَدِي.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ لِمَوْضِعِ الدَّوَابِّ الَّتِي فِي الثِّيَابِ وَالرَّأْسِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُحْرِمٍ قَلَّمَ أَظْفَارَ حَلَالٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قُلْت: فَإِنْ قَلَّمَ أَظْفَارَ حَرَامٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْمُحْرِمَ الَّذِي قُلِّمَتْ أَظْفَارُهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قُلِّمَتْ أَظْفَارُهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَعَلَى الَّذِي قُلِّمَتْ أَظْفَارُهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ أَكْرَههُ أَوْ وَهُوَ نَائِمٌ، فَأَرَى عَلَى الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ الْفِدْيَةَ عَنْهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي النَّائِمِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ حَجَّامًا مُحْرِمًا حَجَمَ حَلَالًا فَحَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ، أَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْحَجَّامِ شَيْءُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِمَا حَلَقَ مِنْ مَوْضِعِ مَحَاجِمِ هَذَا الْحَلَالِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَقَ الشَّعْرَ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ مِنْ الدَّوَابِّ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قُلْت: فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَجَّامُ وَهُوَ مُحْرِمٌ حَلَقَ مُحْرِمًا؟
قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْمُحْرِمِ أَنْ يَحْلِقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ مِنْ الْمُحْرِمِ، فَإِنْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى الْحِجَامَةِ فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
قُلْت: وَلَا يُكْرَهُ لِهَذَا الْحَجَّامِ أَنْ يَحْجُمَ الْمُحْرِمُ الْمُحْرِمِينَ وَيَحْلِقَ مِنْهُمْ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ إذَا أَيْقَنَ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مِنْ الدَّوَابِّ شَيْئًا؟
قَالَ: لَا أَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُحْرِمُ الْمُحْتَجِمُ إنَّمَا احْتَجَمَ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَجَّامُ مُحْرِمًا فَدَعَاهُ مُحْرِمٌ إلَى أَنْ يُسَوِّيَ شَعْرَهُ أَوْ يَحْلِقَ الشَّعْرَ مِنْ قَفَاهُ وَيُعْطِيَهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا، وَالْحَجَّامُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ فِي حَلْقِهِ الشَّعْرَ مِنْ قَفَاهُ، أَيُكْرَهُ لِلْحَجَّامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ الَّذِي سَأَلَ الْحَجَّامَ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَأَكْرَهُ لِلْحَجَّامِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ، قُلْت: فَإِنْ فَعَلَ؟
قَالَ: لَا أَرَى عَلَى الْحَجَّامِ شَيْئًا وَأَرَى عَلَى الْآخَرِ الْفِدْيَةَ، قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَّرَ الرَّجُلُ الْحِلَاقَ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى وَلَمْ يَحْلِقْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ الدَّمُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَكَيْفَ بِمَنْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يَحْلِقْ فِي الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ مِنًى أَوْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ؟
قَالَ: أَمَّا الَّذِي أَخَّرَ حَتَّى رَجَعَ إلَى مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِي تَرَكَ الْحِلَاقَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بِلَادِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَيُقَصِّرُ أَوْ يَحْلِقُ، وَأَمَّا الَّذِي حَلَقَ فِي الْحِلِّ فِي أَيَّامِ مِنًى فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أُحْصِرَ بَعْدُ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ أَيَحْلِقُ وَيَحِلُّ مَكَانَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ يَكُونُ مَعَهُ الْهَدْيُ أَيَبْعَثُ بِهِ إذَا أُحْصِرَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى إذَا صَحَّ سَاقَ هَدْيَهُ مَعَهُ؟
قَالَ: يَحْبِسُهُ حَتَّى يَنْطَلِقَ بِهِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ مَرَضٌ يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ وَيَخَافُ عَلَى الْهَدْيِ، فَلْيَبْعَثْ بِهَدْيِهِ وَيَنْتَظِرْ هُوَ حَتَّى إذَا صَحَّ مَضَى.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَحِلُّ هُوَ دُونَ الْبَيْتِ، وَعَلَيْهِ إذَا حَلَّ إنْ كَانَ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ هَدْيٌ آخَرُ، وَلَا يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ عَنْ الْهَدْيِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ الْحَجِّ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ بِهَدْيِهِ وَفَاتَهُ الْحَجُّ فَلَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا ذَلِكَ الْهَدْيُ مِنْ فَوَاتِ حَجِّهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ هَدْيُ فَوَاتِ الْحَجِّ مَعَ حَجَّةِ الْقَضَاءِ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ بِعُمْرَةٍ وَمَعَهَا هَدْيٌ فَحَاضَتْ بَعْدَمَا دَخَلَتْ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَوْقَفَتْ هَدْيَهَا مَعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَنْحَرَ هَدْيَهَا وَهِيَ حَرَامٌ، وَلَكِنْ تَحْبِسُهُ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَسَعَتْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ نَحَرَتْ هَدْيَهَا وَقَصَّرَتْ مِنْ شَعْرِهَا ثُمَّ قَدْ حَلَّتْ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُرِيدُ الْحَجَّ وَخَافَتْ الْفَوَاتَ وَلَا تَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ لِحَيْضَتِهَا، أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ وَسَاقَتْ هَدْيَهَا مَعَهَا إلَى عَرَفَاتٍ فَأَوْقَفَتْهُ وَلَا تَنْحَرُهُ إلَّا بِمِنًى، وَأَجْزَأَ عَنْهَا هَدْيُهَا مِنْ قِرَانِهَا وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ مَنْ قَرَنَ.
قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ الرَّجُلُ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَفِيضَ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ فَعَلَ أَتَرَى عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا جَاءَ فِيهِ، قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يُوجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ؟
قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُوجِبُهُ، وَلَكِنْ كَانَ يَسْتَحِبُّ لَهُ إذَا حَلَقَ أَنْ يُقَلِّمَ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَرَامًا أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَتَفَ شَعْرَةً أَوْ شَعَرَاتٍ يَسِيرَةً فَأَرَى عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ نَاسِيًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا، وَإِنْ نَتَفَ مِنْ شَعْرِهِ مَا أَمَاطَ بِهِ عَنْهُ الْأَذَى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلْيَفْتَدِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ إنَّمَا قَلَّمَ ظُفْرًا وَاحِدًا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ أَمَاطَ بِهِ عَنْهُ الْأَذَى فَلْيَفْتَدِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُمِطْ بِهِ عَنْهُ أَذًى فَلْيُطْعِمْ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ، قُلْت: فَهَلْ حَدَّ لَكُمْ مَالِكٌ فِيمَا دُونَ إمَاطَةِ الْأَذَى كَمْ ذَلِكَ الطَّعَامُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ يَحُدُّ أَقَلَّ مِنْ حَفْنَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ.
قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَنَا فِي قَمْلَةٍ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي ثَلَاثِ قَمَلَاتٍ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْحَفْنَةُ يَدٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا مَا جَعَلَ فِي أُذُنَيْهِ قُطْنَةً لِشَيْءٍ وَجَدَهُ فِيهِمَا، رَأَيْت أَنْ يَفْتَدِيَ كَانَ فِي الْقُطْنَةِ طِيبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَيُمِرُّ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي أَنْفِهِ لِشَيْءٍ يَنْزِعُهُ.
مِنْ أَنْفِهِ، أَوْ يَمْسَحُ رَأْسَهُ أَوْ يَرْكَبُ دَابَّةً فَيَحْلِقُ سَاقَيْهِ الْإِكَافُ أَوْ السَّرْجُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ.
قَالَ: وَهَذَا خَفِيفٌ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْت قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْقَارِنِ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى أَهُوَ فِي الْفِدْيَةِ وَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ سَوَاءٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ سَوَاءٌ كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ فِي الْفِدْيَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْت الطَّعَامَ فِي الْأَذَى وَالصِّيَامَ أَيَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ؟
قَالَ: نَعَمْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبُلْدَانِ.
قُلْت: أَرَأَيْت جَزَاءَ الصَّيْدِ أَيَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ أَيْضًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْحَرُ وَلَا يَذْبَحُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى، وَإِنْ وُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ نَحَرَ بِمِنًى، فَإِنْ لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ سِيقَ مِنْ الْحِلِّ وَنَحَرَ بِمَكَّةَ، قُلْت لَهُ: وَإِنْ كَانَ قَدْ وُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَنْحَرْهُ بِمِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ، نَحَرَهُ بِمَكَّةَ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالطَّعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ بِالصِّيَامِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَ فِيهِ الصَّيْدَ.
قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَ فِيهِ الصَّيْدَ بِالطَّعَامِ فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَقَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالطَّعَامِ بِالْمَدِينَةِ وَيُطْعِمُهُ بِمِصْرَ إنْكَارًا لِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: إنَّ هَذَا لَيْسَ يُجْزِئُهُ إذَا فَعَلَ هَذَا، وَأَمَّا الصِّيَامُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَحَيْثُمَا شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ وَالنُّسُكُ كَذَلِكَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَالطَّعَامُ فِي الْفِدْيَةِ مِنْ الْأَذَى فِي قَوْلِ مَالِكٍ، أَيَكُونُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالصِّيَامُ أَيْضًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ الطَّعَامَ كَفَّارَةٌ بِمَنْزِلَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
قُلْت لَهُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَمَى الْحَاجُّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَبَدَأَ يُقَلِّمُ أَظَافِرَهُ وَأَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَاسْتَحَدَّ وَأَطْلَى بِالنُّورَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ؟
قَالَ: قَالَ: مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَلَّمَ أَظْفَارَ يَدِهِ الْيَوْمَ وَهُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَلَّمَ ظُفْرَ يَدِهِ الْأُخْرَى مِنْ الْغَدِ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ فِدْيَتَانِ؟
قَالَ: عَلَيْهِ فِدْيَتَانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ لَبِسَ الثِّيَابَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ كَفَّارَةٌ.
قَالَ: فَقَالَ لِمَالِكٍ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّا نَزَلْنَا بِالْجُحْفَةِ وَمَعِي أُخْتِي فَأَصَابَتْهَا حُمَّى فَوُصِفَ لِي دَوَاءٌ فِيهِ طِيبٌ فَعَالَجْتهَا بِهِ، ثُمَّ وُصِفَ لِي دَوَاءٌ آخَرُ فِيهِ طِيبٌ فَعَالَجْتهَا بِهِ، ثُمَّ عَالَجْتهَا بِشَيْءٍ آخَرَ فِيهِ طِيبٌ وَذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؟
قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلَا أَرَى عَلَيْهَا إلَّا فِدْيَةً وَاحِدَةً لِذَلِكَ كُلِّهِ.
قَالَ: وَقَدْ يَتَعَالَجُ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ؛ يُوصَفُ لَهُ الْأَلْوَانُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ فِي كُلِّهَا الطِّيبُ فَيُقَدِّمُهَا كُلَّهَا ثُمَّ يَتَعَالَجُ بِهَا كُلِّهَا يَتَعَالَجُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا ثُمَّ يَدَعُ ثُمَّ يُعَالَجُ بِآخَرَ بَعْدَهُ حَتَّى يَتَعَالَجَ بِجَمِيعِهَا كُلِّهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الظُّفْرِ إذَا انْكَسَرَ؟
قَالَ: يُقَلِّمُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قُلْت: فَإِنْ أَصَابَتْ أَصَابِعَهُ الْقُرُوحُ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يُدَاوِيَ تِلْكَ الْقُرُوحَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَ تِلْكَ الْقُرُوحَ إلَّا أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ؟
قَالَ: أَرَى عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفِدْيَةَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ؟ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْأَظْفَارِ فِدْيَةٌ كَالْكَفَّارَةِ فِي إمَاطَةِ الشَّعْرِ مِنْ الْأَذَى.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فَقَتَلَهُ هَذَا الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ، أَيَكُونُ عَلَى الدَّالِّ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ نَفَرًا اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، مَا عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ؟ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَزَاءُ كَامِلًا، قُلْت: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ لَوْ أَنَّ مُحِلِّينَ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ، أَيَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَزَاءُ كَامِلًا؟
قَالَ: نَعَمْ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْرِمِينَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا وَحَلَالًا قَتَلَا صَيْدًا فِي الْحَرَمِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ كَامِلًا، قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَزِيدُ عَلَى هَذَا الْمُحْرِمِ لِإِحْرَامِهِ شَيْئًا؟
قَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَوْقَ الْجَزَاءِ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ مُحْرِمِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَجَرَحُوهُ؛ جَرَحَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَرَحَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَغَابَ الصَّيْدُ عَنْهُ وَهُوَ مَجْرُوحٌ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَامِلًا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُحْرِمٍ أَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يُرْسِلَ صَيْدًا كَانَ مَعَهُ فَأَخَذَهُ الْغُلَامُ فَظَنَّ أَنَّ مَوْلَاهُ قَالَ لَهُ اذْبَحْهُ فَذَبَحَهُ الْغُلَامُ، فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى سَيِّدِهِ الْجَزَاءُ، قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا إنْ كَانَ مُحْرِمًا الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى عَلَى الْعَبْدِ الْجَزَاءَ، وَلَا يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ خَطَأَهُ، قُلْت: وَلَوْ أَطَاعَهُ بِذَبْحِهِ لَرَأَيْت أَيْضًا عَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُنْت عِنْدَ مَالِكٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، فَأُتِيَ بِنَفَرٍ اُتُّهِمُوا فِي دَمٍ فِيمَا بَيْنَ الْأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَرُدُّوا إلَى الْمَدِينَةِ فَحُبِسُوا، فَأَتَى أَهْلُوهُمْ إلَى مَالِكٍ يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَمْرِهِمْ وَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُمْ قَدْ حُصِرُوا عَنْ الْبَيْتِ وَأَنَّهُمْ قَدْ مُنِعُوا وَأَنَّ ذَلِكَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُحِلُّهُمْ إلَّا الْبَيْتُ وَلَا يَزَالُونَ مُحْرِمِينَ فِي حَبْسِهِمْ حَتَّى يَخْرُجُوا فَيَقْتُلُوا أَوْ يُحِلُّوا فَيَأْتُوا الْبَيْتَ فَيُحِلُّوا بِالْبَيْتِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَأَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ قَارِنٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، قُلْت لَهُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ كَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَيُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالطَّعَامِ أَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ دَرَاهِمَ أَمْ طَعَامًا؟
قَالَ: الصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ طَعَامًا وَلَا يُقَوَّمَ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قُوِّمَ الصَّيْدُ دَرَاهِمَ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا لَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا، وَلَكِنَّ الصَّوَابَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالطَّعَامِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ نَظَرَ كَمْ ذَلِكَ الطَّعَامُ مِنْ الْإِمْدَادِ فَيَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَإِنْ زَادَ ذَلِكَ عَلَى شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ.
قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ كَسْرُ الْمُدِّ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِي كَسْرِ الْمُدِّ شَيْئًا وَلَكِنْ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَصُومَ لَهُ يَوْمًا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ يَقُلْ لَنَا مَالِكٌ إنَّهُ نَظَرَ إلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ النَّعَمِ فَيُقَوَّمُ هَذَا الْجَزَاءُ مِنْ النَّعَمِ طَعَامًا، وَلَكِنَّهُ قَالَ مَا أَعْلَمْتُك.
قُلْت: وَكَيْفَ يُقَوَّمُ هَذَا الصَّيْدُ طَعَامًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، أَحَيٌّ أَمْ مَذْبُوحٌ أَمْ مَيِّتٌ؟
قَالَ: بَلْ يُقَوَّمُ حَيًّا عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ أَصَابَهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْظُرُ إلَى فَرَاهِيَتِهِ وَلَا إلَى جَمَالِهِ، وَلَكِنْ إلَى مَا يُسَاوِي مِنْ الطَّعَامِ بِغَيْرِ فَرَاهِيَةٍ وَلَا جَمَالٍ، وَشُبِّهَ ذَلِكَ بِفَرَاهِيَةِ الْبَازِي لَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ مَا يُبَاعُ بِهِ أَوْ لَوْ صِيدَ لِفَرَاهِيَتِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْفَارَّةَ مِنْ الصَّيْدِ وَالْبُزَاةِ وَغَيْرِ الْفَارَّةِ إذَا أَصَابَهُ الْحَرَامُ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ، قُلْت: فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالنَّظِيرِ مِنْ النَّعَمِ؟ قَالَ: لَقُلْنَا لِمَالِكٍ أَيَحْكُمُ بِالنَّظِيرِ فِي الْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ بِمَا قَدْ مَضَى وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، أَمْ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ فِيهِ؟
قَالَ: بَلْ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ فِيهِ، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنَّمَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ فِي الْجَزَاءِ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى أَنْ يَخْرُجَ مِمَّا جَاءَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عَنْ آثَارِ مَنْ مَضَى.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْكُمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ إلَّا بِمَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا مِنْ الثَّنِيِّ فَصَاعِدًا، إلَّا مِنْ الضَّأْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَذَعُ وَمَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدْيِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَعَلَيْهِ فِيهِ الطَّعَامُ وَالصِّيَامُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَحْكُمُ بِالْجَفْرَةِ وَلَا بِالْعَنَاقِ وَلَا يَحْكُمُ بِدُونِ الْمُسِنِّ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ طَرَدَ صَيْدًا فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْحَرَمِ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ السَّاعَةَ عَنْهُ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى عَلَيْهِ الْجَزَاءَ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا مَنْ الْحِلِّ، وَالصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ جَزَاءُ مَا قَتَلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِ أَيْضًا جَزَاؤُهُ.
قُلْت: فَإِنْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ وَهُوَ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ هَرَبَ الصَّيْدُ إلَى الْحَرَمِ فَأَتْبَعَتْهُ الرَّمْيَةُ فَأَصَابَتْهُ فِي الْحَرَمِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ فِي الْحِلِّ أَيْضًا إذَا كَانَ ذَلِكَ قُرْبَ الْحَرَمِ فَطَلَبه الْكَلْبُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ، فَعَلَى صَاحِبِ الْكَلْبِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ غَرَّرَ فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ قُرْبَ الْحَرَمِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَى الرَّمْيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الَّذِي أَرْسَلَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ فِي مَسْأَلَتِك فِي الرَّمْيَةِ بِعَيْنِهَا شَيْئًا مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ عِنْدِي مِثْلَ الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ.
قُلْت: فَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُرْسِلُ بَازَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَلَيْسَ بِقَرِيبٍ مِنْ الْحَرَمِ فَطَلَبَهُ الْكَلْبُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَ كَلْبَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ بِالْإِرْسَالِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ، قُلْت: وَكَذَلِكَ الْبَازِي فِي قَوْلِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ وَهُوَ جَمِيعًا فِي الْحِلِّ، فَأَخَذَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ مِمَّا كَانَ غَرَّرَ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قُرْبَ الْحَرَمِ وَهُوَ فِي الْحِلِّ أَيْضًا فَطَلَبه الْكَلْبُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَرَمِ أَيْضًا فَأَخَذَهُ فِي الْحِلِّ، أَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا، وَكَيْفَ إنْ قَتَلَهُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ أَيَحِلُّ أَكْلُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَتِك هَذِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ لَا يَأْكُلَهُ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي الْجَزَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْحَرَمَ وَالْكَلْبُ فِي طَلَبِهِ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ، فَكَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرْسَلَهُ قُرْبَ الْحَرَمِ مُغَرِّرًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ فِي الْحِلِّ وَهُوَ بَعِيدٌ مَنْ الْحَرَمِ فَطَلَبَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازُ الصَّيْدَ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَرَمِ طَالِبًا لَهُ فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ، أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَهَلْ يَكُونُ عَلَى صَاحِبِهِ الْجَزَاءُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ، وَلَا عَلَى الَّذِي أَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ فِي قُرْبِ الْحَرَمِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا ذَبَحَ صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ أَوْ بَازَهُ فَقَتَلَهُ أَيَأْكُلُهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ لَيْسَ بِذَكِيٍّ، قَالَ وَهُوَ مِثْلُ ذَبِيحَتِهِ، قُلْت فَمَا ذَبَحَ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الصَّيْدِ وَإِنْ ذَبَحَهُ رَجُلٌ حَلَالٌ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا ذَبَحَهُ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْمُحْرِمِ؛ أَمَرَهُ الْمُحْرِمُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا ذُبِحَ لِلْمُحْرِمِ مَنْ الصَّيْدِ فَلَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَبَحَهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا فَهُوَ سَوَاءٌ لَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ ذَبْحُهُ لِهَذَا الْمُحْرِمِ وَمِنْ أَجْلِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ أَمَرَهُ هَذَا الْمُحْرِمُ أَنْ يَذْبَحَهُ لَهُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ، فَهُوَ سَوَاءٌ إذَا كَانَ إنَّمَا ذَبَحَ الصَّيْدَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْمُحْرِمِ فَلَا يُؤْكَلُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَأْخُذُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حِينَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِأَصْحَابِهِ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُحْرِمٍ ذَبَحَ صَيْدًا فَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَ مَنْ لَحْمِهِ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ آخَرُ، أَمْ قِيمَةُ مَا أَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ وَلَا جَزَاءَ فِي لَحْمِهِ، وَإِنَّمَا لَحْمُهُ جِيفَةُ غَيْرِ ذَكِيٍّ، فَإِنَّمَا أَكَلَ حِينَ أَكَلَ مِنْهُ لَحْمَ مَيْتَةٍ وَمَا لَا يَحِلُّ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَا أَصَابَ الْمُحْرِمَ مِنْ بَيْضِ الطَّيْرِ الْوَحْشِيِّ مَا عَلَيْهِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الطَّيْرِ الْوَحْشِيِّ، أَوْ الْحَلَالُ فِي الْحَرَامِ إذَا كَسَرَهُ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ، قُلْت: وَسَوَاءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إنْ كَانَ فِيهِ فَرْخٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَرْخٌ؟
قَالَ: نَعَمْ مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ الْفَرْخُ مِنْ بَعْدِ الْكَسْرِ صَارِخًا، فَإِنْ اسْتَهَلَّ الْفَرْخُ مِنْ بَعْدِ الْكَسْرِ صَارِخًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَامِلًا كَجَزَاءِ كَبِيرِ ذَلِكَ الطَّيْرِ، وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا شَبَّهَ مَالِكٌ الْبَيْضَ بِجَنِينِ الْحُرَّةِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ بَطْنَ الْمَرْأَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا، فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا فَالدِّيَةُ كَامِلَةً فَعَلَى الْجَنِينِ فَقِسْ الْبَيْضَ فِي كُلِّ مَا يُرَدُّ مِنْهُ عَلَيْك، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَيَكُونُ فِي الْجَنِينِ قَسَامَةٌ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ كَسَرَ الْبَيْضَةَ فَخَرَجَ الْفَرْخُ حَيًّا يَضْطَرِبُ مَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا يَضْطَرِبُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا، فَإِنَّمَا فِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، فَكَذَلِكَ الْبَيْضُ عِنْدِي هُوَ مِثْلُهُ إنَّمَا فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ، وَإِنْ خَرَجَ الْفَرْخُ مِنْهُ حَيًّا فَإِنَّمَا فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ، إلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَفِيهِ مَا فِي كِبَارِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا ضَرَبَ بَطْنَ عَنْزٍ مِنْ الظِّبَاءِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَسَلِمَتْ الْأُمُّ؟
قَالَ: عَلَيْهِ فِي جَنِينِهَا عُشْرُ قِيمَة أُمِّهِ.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ فِي جَنِينِ الْعَنْزِ مِنْ الظِّبَاءِ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ فِي رَأْيِي مِثْلُ جَنِينِ الْحُرَّةِ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ لَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ لِلْجَنِينِ وَدِيَةً كَامِلَةً لِلْمَرْأَةِ، قُلْت: وَكَذَلِكَ الْعَنْزُ مِنْ الظِّبَاءِ إنْ ضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَمَا طَرَحَتْ جَنِينَهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، هَكَذَا أَرَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي جَنِينِ الْعَنْزِ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ وَيَكُونُ أَيْضًا عَلَيْهِ فِي الْعَنْزِ الْجَزَاءُ كَامِلًا.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحُرَّةِ يَضْرِبُ الرَّجُلُ بَطْنَهَا فَتَطْرَحُ جَنِينَهَا حَيًّا فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا ثُمَّ يَمُوتُ وَتَمُوتُ الْأُمُّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ إنْ كَانَ ضَرَبَهَا خَطَأً دِيَةٌ لِلْمَرْأَةِ، وَدِيَةٌ لِلْجَنِينِ كَامِلَةً، تَحْمِلُ الْعَاقِلَةَ ذَلِكَ وَفِي الْجَنِينِ قَسَامَةٌ، قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ بَطْنَ هَذِهِ الْعَنْزِ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ وَمَاتَتْ أُمُّهُ، إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْأُمِّ وَجَزَاءُ الْجَنِينِ كَامِلًا؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَيُحْكَمُ فِي هَذَا الْجَنِينِ فِي قَوْلِ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا كَمَا يُحْكَمُ فِي كِبَارِ الظِّبَاءِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُحْكَمُ فِي صِغَارِ كُلِّ شَيْءٍ أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ وَالطَّيْرِ الْوَحْشِيِّ مِثْلَ مَا يُحْكَمُ فِي كِبَارِهِ، وَشَبَّهَهُمْ بِالْأَحْرَارِ.
صِغَارُ الْأَحْرَارِ وَكِبَارُهُمْ فِي الدِّيَةِ سَوَاءٌ، قَالَ فَكَذَلِكَ الصَّيْدُ.
قُلْت: فَهَلْ ذَكَرَ لَكُمْ مَالِكٌ فِي جِرَاحَاتِ الصَّيْدِ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهَا إذَا هِيَ سَلِمَتْ نَفْسُهَا مِنْ بَعْدِ الْجِرَاحَاتِ، كَمَا يَحْكُمُ فِي جِرَاحَاتِ الْأَحْرَارِ أَوْ مِثْلِ جِرَاحَاتِ الْعَبِيدِ مَا نَقَصَ مِنْ أَثْمَانِهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَمَا أَرَى فِيهَا شَيْئًا إذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهَا سَلِمَتْ، قُلْت: فَمَا تَرَى أَنْتَ فِي جِرَاحَاتِ هَذَا الصَّيْدِ إذَا هُوَ سَلِمَ؟
قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا إذَا هُوَ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ فُسْطَاطًا فَتَعَلَّقَ بِأَطْنَابِهِ صَيْدٌ فَعَطِبَ، أَيَكُونُ عَلَى الَّذِي ضَرَبَ الْفُسْطَاطَ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ بِالصَّيْدِ شَيْئًا إنَّمَا الصَّيْدُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا قُلْته لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يَحْفِرُ الْبِئْرَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ فَيَقَعُ فِيهِ إنْسَانٌ فَيَهْلِكُ، أَنَّهُ لَا دِيَةَ لَهُ عَلَى الَّذِي حَفَرَ الْبِئْرَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ، وَكَذَلِكَ هَذَا إنَّمَا ضَرَبَ فُسْطَاطَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْنَعُ مِنْ أَجْلِ الصَّيْدِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَعَطِبَ بِهِ صَيْدٌ؟
قَالَ: كَذَلِكَ أَيْضًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رَأْيِي.
قُلْت: وَكَذَلِكَ أَيْضًا إنْ رَآنِي الصَّيْدُ وَأَنَا مُحْرِمٌ فَفَزِعَ مِنِّي فَأُحْصِرَ فَانْكَسَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا فَلَا جَزَاءَ عَلَيَّ؟
قَالَ: أَرَى عَلَيْك الْجَزَاءَ إذَا كَانَ إنَّمَا كَانَ عَطَبُهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَفَرَ مِنْ رُؤْيَتِك.
قُلْت: أَرَأَيْت إذَا فَزِعَ الصَّيْدُ مِنْ رَجُلٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَحُصِرَ الصَّيْدُ فِي حَصْرِهِ ذَلِكَ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ نَصَبَ مُحْرِمٌ شَرَكًا لِلذِّئْبِ أَوْ لِلسَّبُعِ خَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَنَمِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ ظَبْيٌ أَوْ غَيْرُهُ فَعَطِبَ، هَلْ تَحْفَظُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ شَيْئًا؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا لِيَصِيدَ بِهِ فَعَطِبَ بِهِ الصَّيْدُ، قُلْت لَهُ: وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِلسِّبَاعِ لَا لِلصَّيْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَقَدْ كَانَ جَائِزًا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ لِلسَّبُعِ وَلِلذِّئْبِ؟
قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَفَرَ فِي مَنْزِلِهِ بِئْرًا لِلسَّارِقِ أَوْ عَمِلَ فِي دَارِهِ شَيْئًا لِيُتْلِفَ بِهِ السَّارِقَ، فَوَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ سِوَى السَّارِقِ رَأَيْته ضَامِنًا لِلدِّيَةِ، قُلْت: وَهَلْ يَرَى مَالِكٌ أَنْ يَضْمَنَ دِيَةَ السَّارِقِ إنْ وَقَعَ فِيهِ فَمَاتَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ يَضْمَنُهُ.